الأربعاء، 11 يوليو 2012

وقفة مع تفاحة

 تعد من ابرز الثمار التي ارتبطت بأذهاننا طوال مراحل عمرنا _على الاقل لمواليد اوآخر القرن الماضي_  فهي متميزة عن باقي اصناف جنسها النباتي وذلك بتنوع ارتباطها بقصص عرفها الجميع ، فاكهة صغيرة كانت تدور حولها سيناريوهات عديدة لأحداث حقيقية  ، فاكهة صغيرة شكلت نظريات مهمة في تاريخ البشرية ، فاكهة صغيرة كانت المحك والتحدي لظهور أحد أكبر الائمة في تاريخ الاسلام ، فاكهة صغيرة  شكلت أكبر واعظم الحكم في التاريخ البشري "الفاسد يفسد من حوله " .
ففي المرحلة الابتدائية كانت المناهج تعج بالمواضيع المهمة التي تزرع في الاطفال كل الاخلاق والصفات الحسنة وللأسف كلما امتد بنا الوقت عدنا للوراء بمناهج لا تنمي في الاطفال إلاّ البلاهة واستصغار العقول ، كان من آوائل ما قرأته في  كتاب القراءة قصة تلك التفاحة الفاسدة التي افسدت صندوقاً كاملا من التفاح الجيد ، عرفت حينها ان الفاسد لا يقارب وان التقرب منه يعني الفساد لي ، وأنه يجب علينا رمي الفاسد خارجاً حتى تستقيم الحياة للبقية الباقية  وينعموا بحياة كريمة ، كل هذا الدرس الاخلاقي أخذته من تفاحة  والذي تطور بالنسبة لي في التعامل مع من حولي تحت مسمى قانون" الفاسد  يفسد من حوله " .
وفي المرحلة المتوسطة قرأت عن سقوط  تفاحة نيوتن  وكيف غيرت مجرى التاريخ تلك التفاحة في تاريخ ذلك الفاشل دراسياً _كما يقال _ الى أهم عالم ومخترع في عصره وصاحب اعظم نظرية فيزيائية ، كل هذه المكانة يا نيوتن والصيت لم تأخذه إلاّ من تفاحة واحدة !!
حينما بدأت القراءة الحرة قرأت قصة ذلك الشاب الورع التقي الفقير والجائع الذي مر بمزرعة وأخذ تفاحة وأكلها  من شدة جوعه ثم انصرف لبيته ، وحينما ذهب جوعه بدأت نفسه تلومه على فعلته فرجع للبستان ليستسمح صاحبه  العجوز في تفاحة واحدة سدت جوعه ، فرفض صاحب البستان مسامحته  وقال " انا خصيمك يوم القيامة " وبعد توسلات من الفتى ودموع ورضوخ لأي طلب يطلبه منه حينها قبل العجوز مسامحته بشرط ان يتزوج ابنته الصماء البكماء العمياء المقعدة !! فقبل الفتى  لعله يكفر عن ذنبه الذي اقترفه بسبب تفاحة واحدة !! وعندما دخل على زوجته وجدها كالبدر صفاءاً لا تشتكي إلاّ من  زود حسنها وجمالها الفاتن فكانت مكافئة له من صاحب البستان لورعه وتقواه ..وقيل ان هذا الفتى هو الامام ابو حنيفة رحمه الله ..كل هذا الورع والتقوى من الفتى كان بسبب اكله بغير وجه حق تفاحة واحدة !!
وهي مؤخراً من رفع راية النصر لبعض الدعاة بعد أن حاول أعدائه النيل منه بتفاحة سممت له ، فأبي الله إلا ان تكون سمومهم بلسما شافيا وانقلبت الطاولة عليهم وما زادته تفاحتهم الا صحة وما نقص محبوه بل زادوا كثيرا وهذا كله بسبب تفاحة واحدة !!
فحريٌ بنا وضع تمثال من البرونز وتسمية ميادين " التحرير " التي تعج بها عواصمنا العربية بميادين " التفاح " تكريماً لهذه الفاكهة  ، وان  نزيد في احترامها  وان نشتريها ولو رفع الشربتلي سعرها وتقاعست التجارة عن ردعه ، فهي من وضع لنا آلية التعامل مع الفاسد قبل ان يستحدث جهاز الشريف " نزاهة " ، وهي من علمنا كيف نحافظ على اموال غيرنا حتى وان مسّنا من الجوع والفاقة ما نراه يبيح لنا ذلك التعدي ، وهي من علمنا كيف ننظر لواقعنا وكيف نستفيد مما يتساقط حولنا من خيرٍ او شر ونوقظ  قلوبنا من سبات غفلتها ، ونحرك عقولاً من تحجر اصابها  ، فنخلق لنا الفرص تلو الفرص لنحيا كراماً . 


ليست هناك تعليقات: