الجمعة، 16 يناير 2009

عشق قروي (3)




ها أنا من زاويتي المفضله في فندق الهوليدي إن مثقلاً بزكام لعين اعود يا فالح فاعذرني :


اتسيقظ فالح من نومه او بالاحرى حلمه الطفولي الذي تمنى ألاّ يُخرجه منه ُصبح كئيب كصبحه المنتظر، نظر عن يمينه فوجد ما رسمه بليله فغشاه الحزن ،حزن الفراق الذي يتراءى له كشبح مخيف ، توجه للحمام وغسل وجهه وبدّل ملابسه ووضع ما رسمه بجيبه ونزل لصالة منزله لينضم لأبويه واخوته ، كان مدار حديثهم الصباحي يتناول مخططهم الذي اعدّوه لقضاء الليلة في رحلة برية ،اعاد فالح كأس الحليب قبل ان يرتشف منه ارتشافة واحدة وقال : هل رحلتكم هذه هذا المساء فأجابه والده : نعم يا فالح قررنا أن ننفس عن انفسنا ونخرج سويةً للبر وسوف نجهز انفسنا ونذهب بعد صلاة العصر ، قال فالح مستغرباً : ولكن خالي سيغادر المدينة هذا المساء ألن نكون من مودعيه ،قال أبوه : لا فأنا لا أطيق سيرة الوداع سوف نكتفي بمكالمته هاتفياً ، هنا فز فالح من مكانه وقال: ألم تجدوا يوماً آخر لرحلتكم غير هذا، فلا أظن الجو مناسباً لذلك ، كان يخفي عليهم سبب اعتراضه الحقيقي لهذا الموقف ببراعة ومراوغة بالرغم من كونه صغيراً على ذلك .
حاول فالح ان يثني عائلته عن تلك الرحلة ولكن محاولاته بائت بالفشل فقرر الاذعان ، بعد ان صلوا العصر بالمسجد ركبوا سيارتهم وانطلقوا للبر القريب من المطار ، وصلوا لموقعهم المنشود والذي كانوا يعرفونه جيداً فلم تكن هي زيارتهم الاولى له خصوصاً ان البر كان هو المتنفس والرئة الوحيدة لأكثر العوائل في مدينتهم التي تفتقر للحدائق العامة .
لم تتوقف السيارة في مكانها حتى تدافع اخوة فالح للخروج والبدء في مطاردة الكره او التسابق الذي كانت ترصد للفائز فيه جائزة قيمة ، فالح لم يكن في جو هذه الرحلة اطلاقاً على غير عادته فكان مطرق الرأس وحيداً ، لمحت ام فالح تصرفاته وبفطرة الامومة عرفت علته ، فاتجهت إليه وقالت له متبسمة : إن رحلة خالك متأخرة وقد هاتفته وطلبت منه التبكير بالخروج للمطار وانضمامه إلينا فوافق ، رفع رأسه واستبشرت اساريره وقال : هل انتي جادة بما تقولين ، فأومأت برأسها مؤكدة ذلك .
دب النشاط مجددأ في فالح وقام يلعب ويضحك مع من حوله فقد زالت الغمة وانكشفت الظلمة، غربت الشمس ولم يغرب شوق ولهفه فالح، فقد اصبح وصول جنى قريباً .
لاح من البعد انوار سيارةٍ مقبلةٍ نحوهم واخذت في الاقتراب حتى توقفت عندهم ،قال فالح بصوت عالي : إنه خالي ...وفي سره..إنها جنى ، نزل ركاب السيارة فرحب بهم الابوان استقبالاً حاراً لا يضاهيه حرارةً إلاّ استقبال فالح لجنى خصوصاً .
اجتمعت كل فئة مع بعضها الاخر ، الصبية يلعبون بعيداَ ، والاب والخال سويةً حول النار التي شبت للشوي والطبخ واعداد القهوة ، والنسوة في موقع ليس بالبعيد عنهم .
من بين الصبية اللاعبون كان فالح وجنى يجلسون سويةً ، قال فالح : لست مصدقاً يا جنى أنني عندما سأذهب لبيت الجد لن أراكِ هناك ...سوف اشتاق لك كثيراً...وسأضل اترقب عودتك واللقاء بك مجدداً ،قالت : وانا كذلك ،لكن سوف نعود قريباً فرمضان على الابواب وسنعود فيه فلا تقلق ، علت وجه فالح ابتسامة الرضى وقال : سوف اعطيك هدية، تذكاراً مني، قالت : حسناً ، مد يده لجيبه واخرج رسمته المتواضعة واعطاها اياها ، نظرت إليها بنفس نظرة الرضى والاستحسان ليس لفرط جمالها بل لأنها كانت تحمل مشاعر حب اخلتطت بألوانها ...كانت هدية قيمة لم تشعر وهي تتمعنها بقيمة أي هدية اخرى اهديت لها سابقاً ولربما لاحقاً .
كانت العبارات تتزاحم على شفاههما ولكن الوداع ألجم هذه الشفاه فاستعاضوا بقراءة اعينهما التي كانت خير مترجم لما عجزت الشفاة عن نطقه .
قاطع هذه المشاعر صوتٌ ينادي ..العشاء جاهز تعالوا قبل أن يبرد ،هب الصبية بخطى متسارعة إلاّ الاثنان فكانوا يمشون بخطى كسيحه ثقيلة فلا العشاء ولا غيره من الملذات تستهويهما في هذه اللحظة و توجه كلٌ منهما لفئته الجنسية الملتفين حول سفرة العشاء.

كان العشاء لذيذاً فلقد كان من اعداد الاب الذي ينتهز هذه الرحلات لابراز مواهبه في الطبخ فهو طباخ ماهر فهناك اللحم المشوي ومدفون الخضار واللحم والكبسة السعودية الشهية ،كان الجميع يتخاطفون ما اعده لهم خطفاً حتى ان بعض الصبية اصبح يأكل بكلتا يديه ولا غرابه في ذلك ، على العكس تمام كان فالح وجنى، فلم يكن العشاء بنظرهما إلاّ علقما يجبرون على حشو افواههم به تجنباً لتساؤلات البعض الحِشرية عن امتناعهم عمّا يتخاطفه الكل .
اتخمت البطون وخويت الصحون ،واقتربت ساعة الرحيل وقلوبهما لها صياح وعويل، استودع الخال الجميع وشكرهم على عشاء الوداع المميز ، هاهي كلمات بعبع الفراق تدافعت من فم الخال وكان وقعهما على الاثنان مؤلماً .
طلب فالح من والده مرافقة الخال للمطار لمساعدتهم في انزال الحقائب مستغلاً قدراته العجيبة في خلق العلل لما يصبوا إليه ،فوافق الاب بدون تردد وطلب من عائلته الانتظارفي مكانهم ريثما يعود من المطار، انطلقت السيارتان للمطار وتوقفت امام بوابة ذلك المطار الصغير ،تراءى لفالح ان المطار مقبرةٌ وبابه قبرٌ سيواري حبه فيه ، لم تذخر عيناه دمعتها ولم يخفي عظيم حُرقتها ،كان وداعه لها بكلمتين ...سأشتاق لك ... وأهال على قبرها ورود الوادع :(
خرج من المقبرة متأملاً ألاّ يطول بعثها من جديد .....(الحلقة القادمة)

هناك 5 تعليقات:

غير معرف يقول...

صالح حآإرت حروفي والله .. أهنيك على اسلوبك جد تحمست .. و انتظر البارت اللي عقبه (F)

صالح بن معمر يقول...
أزال المؤلف هذا التعليق.
صالح بن معمر يقول...

يسعدني مرورك الدائم وحرصك على الاطلاع على جديدي

تقبلي تحياتي وتحيات طاقم البرنامج << ضيّع

غير معرف يقول...

{ يبعث ذلك على الكثير من الحماس ! .. قرأت على عجل ! وسأعود لاتمام هذه الرائعه ! ..

لكم سيفوتني الكثير لو ! انني لم امر من هنا ! .. خالص شكري مقدما !

ميما =)

صالح بن معمر يقول...

عزيزتي ميما
احدى لحظات الفرح التي تسعدنا حقاً ان تسوقنا اقدامنا او ضربات اصابعنا على الكيبورد لشيء نرى فيه الجمال .
وانا اشعر بسعادة الآن لمرورك من هنا واشادتك .
تقبلي تحياتي
ودمتي بود